التغذية كوقاية من الزهايمر

الغذاء يمكن أن يقدم الوقاية من مرض الزهايمر

مرض الزهايمر هو اضطراب عصبي تدريجي يؤثر على الذاكرة والتفكير والسلوك. يُعتبر مرض الزهايمر أحد أكثر الأمراض شيوعًا بين كبار السن، وهو السبب الرئيسي للخرف في العالم. رغم عدم وجود علاج شافٍ لهذا المرض حتى الآن، فإنَّ الأبحاث الحديثة تشير إلى أن التغذية السليمة قد تلعب دورًا هامًا في الوقاية منه وتأخير تطور أعراضه. في هذا المقال، سنستعرض العلاقة بين الغذاء ومرض الزهايمر، وكيف يمكن لبعض الأنظمة الغذائية والمكونات الغذائية أن تساهم في الحفاظ على صحة الدماغ وتقليل مخاطر الإصابة بهذا المرض.

التأثيرات المحتملة للتغذية على مرض الزهايمر

تتمثل إحدى الفرضيات الرئيسية التي تستند إليها الأبحاث حول العلاقة بين الغذاء والزهايمر في أن الدماغ، مثل أي عضو آخر في الجسم، يحتاج إلى العناصر الغذائية المناسبة ليعمل بكفاءة. يُعتقد أن بعض العناصر الغذائية قد تلعب دورًا في حماية الخلايا العصبية، بينما قد تؤدي أنماط التغذية السيئة إلى زيادة مخاطر الإصابة بالأمراض العصبية مثل الزهايمر.

بعض الدراسات أظهرت أن تناول أطعمة غنية بمضادات الأكسدة، الأحماض الدهنية الأساسية، والفيتامينات والمعادن قد يساهم في تعزيز صحة الدماغ. كما أن الأبحاث الحديثة قد ركزت على دور الالتهاب المزمن، الإجهاد التأكسدي، وعدم التوازن في مستويات بعض المواد الكيميائية في الدماغ، مثل بروتين “أميلويد بيتا”، كعوامل مساهمة في تطور الزهايمر.

الأنظمة الغذائية التي تساهم في الوقاية من الزهايمر

تختلف الأنظمة الغذائية التي أثبتت فعاليتها في الوقاية من الزهايمر حسب نوع الأبحاث والمجتمع المدروس، ولكن هناك عدة أنماط غذائية تمثل توجيهًا عامًّا لتعزيز صحة الدماغ. من أبرز هذه الأنماط هي النظام الغذائي المتوسطي (Mediterranean Diet)، ونظام “MIND” (اختصار لـ “Mediterranean-DASH Diet Intervention for Neurodegenerative Delay”) الذي يجمع بين نظام البحر الأبيض المتوسط والنظام الغذائي الموجه للحد من ارتفاع ضغط الدم.

النظام الغذائي المتوسطي

النظام الغذائي المتوسطي يشمل تناول كميات كبيرة من الخضروات والفواكه، والحبوب الكاملة، والبذور، والمكسرات، والزيوت الصحية مثل زيت الزيتون. كما يُشجع على تناول الأسماك الدهنية مثل السلمون والماكريل، التي تحتوي على الأحماض الدهنية أوميغا-3. هذا النظام الغذائي يقلل من تناول اللحوم الحمراء، ويشمل كميات صغيرة من المنتجات المشتقة من الألبان.

تشير الدراسات إلى أن هذا النظام الغذائي يمكن أن يقلل من خطر الإصابة بالزهايمر. فقد أظهرت دراسة نُشرت في “الطب الباطني Archives of Neurology” أن الأشخاص الذين يتبعون النظام الغذائي المتوسطي يقل لديهم خطر الإصابة بالخرف ومرض الزهايمر بنسبة تصل إلى 50-60٪ مقارنة بمن يتبعون نظامًا غذائيًا غنيًّا بالدهون المشبعة والسكر.

نظام “MIND” الغذائي

نظام “MIND” هو مزيج من النظام الغذائي المتوسطي ونظام “DASH” (Dietary Approaches to Stop Hypertension) الموجه للحد من ارتفاع ضغط الدم. يركز هذا النظام على تناول الأطعمة التي تحسن صحة الدماغ وتقلل من خطر الإصابة بالخرف. يشمل النظام الغذائي تناول الخضروات الورقية الخضراء، التوت، الأسماك الدهنية، زيت الزيتون، والمكسرات. كما يحد من تناول الأطعمة غير الصحية مثل اللحوم الحمراء، الأطعمة المقلية، والجبن.

أظهرت دراسة طويلة الأمد نشرتها مجلة “Alzheimer’s & Dementia” أن الأشخاص الذين يتبعون نظام “MIND” الغذائي يكون لديهم انخفاض بنسبة 53% في خطر الإصابة بمرض الزهايمر عند التزامهم به بشكل صارم، وتقريبًا 35% عند اتباعه جزئيًا.

المكونات الغذائية التي تحسن صحة الدماغ

الأحماض الدهنية أوميغا-3

تعتبر الأحماض الدهنية أوميغا-3 من أهم المكونات التي تحسن صحة الدماغ. توجد هذه الأحماض بشكل رئيسي في الأسماك الدهنية مثل السلمون والتونة والماكريل. أظهرت الدراسات أن الأحماض الدهنية أوميغا-3 تساعد في تقليل الالتهابات وتعزيز الاتصال العصبي بين خلايا الدماغ. كما أنها تساهم في تقليل تراكم البروتينات السامة مثل “أميلويد بيتا”، الذي يُعتقد أنه يلعب دورًا في تطور مرض الزهايمر.

مضادات الأكسدة

مضادات الأكسدة هي مركبات تساعد في محاربة الجذور الحرة الضارة التي يمكن أن تلحق الضرر بالخلايا والأنسجة في الدماغ. الفواكه والخضروات مثل التوت الأزرق، الفراولة، الخضروات الورقية، والمكسرات تحتوي على مستويات عالية من مضادات الأكسدة، مثل الفلافونويدات وفيتامين C وE، والتي يمكن أن تساهم في تقليل خطر الإصابة بالزهايمر.

دراسة نشرت في “Frontiers in Aging Neuroscience” أظهرت أن الأشخاص الذين يستهلكون كميات أكبر من التوت الأزرق، وهو مصدر غني بمضادات الأكسدة، أظهروا تحسنًا في وظائف الذاكرة لديهم.

فيتامينات B (B6 وB12 وحمض الفوليك)

تلعب فيتامينات B دورًا رئيسيًا في صحة الدماغ، حيث أن نقص هذه الفيتامينات يمكن أن يؤدي إلى تدهور الوظائف العقلية. فيتامين B12 وحمض الفوليك مهمان للحفاظ على صحة الأعصاب وتنظيم مستويات الهوموسيستين، وهو حمض أميني يمكن أن يكون له تأثير ضار على الدماغ في حال ارتفاعه. تشير بعض الدراسات إلى أن تناول مكملات فيتامين B قد يساعد في تحسين الذاكرة ووظائف الدماغ، خاصة في كبار السن.

الكركم

الكركم، التوابل التي تشتهر في المطبخ الهندي، يحتوي على مركب “الكركمين”، الذي أظهرت الأبحاث أنه يمتلك خصائص مضادة للأكسدة والالتهابات. تشير بعض الدراسات إلى أن الكركمين قد يساعد في تقليل تراكم بروتين “أميلويد بيتا” في الدماغ، مما يقلل من خطر تطور مرض الزهايمر.

أطعمة يجب تجنبها

تجنب بعض الأطعمة قد يكون بنفس الأهمية مثل تناول الأطعمة الصحية في الوقاية من الزهايمر. الأطعمة التي تحتوي على كميات عالية من الدهون المشبعة والمتحولة، مثل الأطعمة السريعة، الحلوى، والمشروبات الغازية، قد تساهم في زيادة الالتهاب والإجهاد التأكسدي في الدماغ، مما قد يعزز تطور الأمراض العصبية مثل الزهايمر.

السكريات المكررة والكربوهيدرات البسيطة

السكريات المكررة والكربوهيدرات البسيطة يمكن أن تسبب ارتفاعًا حادًا في مستويات السكر في الدم، وهو ما قد يضر بصحة الدماغ على المدى الطويل. الدراسات أظهرت أن الأنظمة الغذائية الغنية بالسكر قد تزيد من مخاطر الإصابة بالخرف وأمراض الدماغ التنكسية الأخرى.

التأثير العام لنمط الحياة على الوقاية من الزهايمر

على الرغم من أهمية التغذية في الوقاية من مرض الزهايمر، فإن هناك عوامل أخرى تلعب دورًا أيضًا في صحة الدماغ. ممارسة النشاط البدني بانتظام، الحفاظ على وزن صحي، تجنب التدخين، والحفاظ على مستويات ضغط الدم والسكر في الدم في المعدلات الطبيعية هي أيضًا عوامل مهمة للحفاظ على صحة الدماغ.

الدراسات الحديثة تدعم فكرة أن الدماغ يحتاج إلى محفزات مستمرة للحفاظ على مرونته ووظائفه. القراءة، حل الألغاز، تعلم لغات جديدة، والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية يمكن أن تساعد في تقليل خطر الإصابة بالخرف وتعزيز قدرة الدماغ على مقاومة التدهور.

خاتمة

يمكن أن يلعب الغذاء دورًا محوريًا في الوقاية من مرض الزهايمر. النظام الغذائي المتوازن الذي يركز على الأطعمة الغنية بالمغذيات والمضادة للأكسدة، مع تجنب الأطعمة الضارة، يمكن أن يكون له تأثير كبير في تقليل المخاطر المرتبطة بهذا المرض العصبي المدمر. ومع ذلك، يجب أن يتم الجمع بين التغذية الجيدة ونمط الحياة الصحي العام لتحقيق أفضل النتائج في الوقاية من الزهايمر والحفاظ على صحة الدماغ طوال الحياة.